في خضم فوضى حياتنا القهرية الصاخبة، يبحث العقل الواعي عن نافذة للخلاص من جور الجدران التي دُكَّتْ بين تلافيفه، وللتحرر من السلاسل التي قَيَّدت حركته، وجعلته سجين نفسه؛ أو أسير المكان المُغلَق!

ولأننا أبناء تلك الأزمنة المُهْمَلة في التاريخ والتضاريس المنبوذة على الأرض؛ نجد حريتنا أحيانًا في سرد بعض حكاياتنا المخبأة تحت ألسِنَة أهلنا المعقودة بقيود الخوف من كشف الحقائق.. وهي "حكايات" مَدعاة للاستقصاء المتعقل ومثيرة للوجدان المرهف؛ مُضمَرة في "صوتهم الخفي" الكامن في ضمائرهم.. المتردد مع أنفاسهم.. المُستوطَن في أرواحهم.. المستبد بمنهج تفكيرهم من دون إرادتهم.. الذي يظهر شريكًا لهم في قرارة أنفسهم في اللحظات الحرجة والملتبسة؛ عندما يضطرب تفكيرهم، ويفتقدون الأمل، وتتضبب رؤيتهم.. أو حينما يتألق وعيهم!

"صوتهم الخفي" المقموع.. ذلك "الصوت الداخلي الذي يجري في العقل ويؤججه الوجدان" ويظهر من خلال تَحَدُّث الشخص مع نفسه في خلوته.. من دون صوتٍ وأحيانًا بصوتٍ مسموعٍ، حتى يحسب الآخرون أنه قد مَسَّه شيء من الجنون لأنه يُدَمْدِمُ مع نفسه.. ويتفاقم دور ذلك "الصوت الخفي" عندما يواجه المرء مشكلة معقدة أو تَحَديًا عسيرًا.. أو عندما يُحَلِّقُ المبدعُ بأجنحة خياله في فضاء الوجود الشاسع؛ ولم يختفِ ذلك الصوت قَط من وعيه ومن لا وعيه على امتداد سني العمر، كصوت داخلي للنفس في النفس، منطوٍ في ذاتها، ومُعَبِّرٌ لها وعنها بوضوحٍ عَمّا لم يجرؤ الإنسان على الإفصاح عنه بلسانه الصريح لغيره، من:

أفكار، ونِيّات، ورغبات، أو أفعال ندم على فعلها، أو ندم على عدم فعلها، أو مواقف وأخطاء ارتكبها في السِرِّ ويخشاها، ولم يبُح بها لأحد!